الطربوش .. وايام عدن زمان

الشوكي في عدن زمان



((عدن حرة)) عدن : الثلاثاء
2014-03-04 02:49:34



لا أحد يعرف بالضبط متى بدأ الإنسان في إستعمال غطاء الرأس وكان ذلك قديما ، و لا يوجد شعب في العالم لم يستعمل غطاء الرأس ، الغطاء يحمي رأس الإنسان من الريح والبرد والمطر ، أكتشفه الإنسان الأول بالفطرة والحاجة.

تطور هذا الغطاء التاريخي عبر العصور ليصبح نوع من لباس الأناقة وأستعمله الجنود والضباط في اللباس العسكري وأستعمله رجال الدين من كل الطوائف ، وكانت أغطية الرأس تختلف من العامل إلى الملك أو القائد. والغريب في الأمر إن هذه الأغطية للرأس قد تشابهت في كثير من بلدان العالم. و جدت صور غطاء الرأس في المتاحف و في الآثار القديمة التي صورت حياة الإنسان عبر العصور ، في النادر جدا ما يظهر الإنسان بدون غطاء للرأس ، كان هذا أيضأ يشمل حتى النساء ولكن بطريقة أنيقة. 

وفي الشرق كان غطاء الرأس ونوعية القماش أو التركيب يمثل درجة ذلك الشخص في المجتمع. وفي عصرنا هذا ما نزال نرى بعض دور الأزياء العالمية تفصل أزياء فيها غطاء للرأس نسائية بطريقة فنية.

قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد با أعمر ماي فرست بوري وبا أجيب لك عواف حلاوة صوري وقهوة بالقشر والزنجبيل ، وبعدين حازيني عن الطرابيش. يا حجة فطوم تقول الموسوعة إن الطرابيش أصلها فارسي ، وجاءت كلمة طربوش من * سربوش * وهي كلمتان سر ومعناها غطاء وبوش معناها الرأس ومع الزمن تحولت إلى كلمة طربوش. 

وعندما أختفى بريق الحضارة الفارسية أرتفعت على أطلالها حضارة الإمبراطورية التركية ، وكان الطربوش لباس الرأس لسلاطين تركيا ، ثم جاء عصر متقدم جدآ وأعتمد الطربوش اللباس الرسمي للناس هذا حدثت عندما توغلت الإمبراطورية التركية في الشرق والغرب ، لقد غزا الطربوش دول أوروبا وحتى يومنا يستعمله الحرس الوطني في اليونان و يلبس نوع من الطرابيش الحمراء ولها خيوط طويلة تسمى *الزر* بعكس الطرابيش التركية.

ضحكت الحجة فطوم وقالت : أيوه طربوش قصير يشبه المطيبه والشوشه حق الطربوش طويلة ، قلت لها ضاحكآ خلي المناجمه يا حجة فطوم للطرابيش تاريخ طويل فوق الرؤوس.

 


يا حجة فطوم الطربوش ما زال متواجد ولم يمت ومازال علماء الدين في مصر وسوريا يلبسوا الطرابيش الصغيرة الحجم ويربطوا حولها عمامة بيضاء ولا يظهر إلا راس الطربوش الأحمر الأنيق ، وفي الأندلس لبست النساء نوع طويل من الطرابيش الملونة الطويلة ومغطاة بمناديل حريرية . وفي بعض الأزمنة كان الطربوش رمز الإستعمار التركي لمصر والشام .

في العشرينات قام المفكرين العرب بلبس * البيريه * الغربي الذي كان يرمز إلى الثقافة والمدنية والحرية ، وكان أشهر من لبس البيريه وخلع الطربوش توفيق الحكيم ، العقاد و أحمد رامي ، لقد رفضوا لبس الطرابيش. وفي مصر أعتمد الطربوش ملزما للطلبة وموظفين الدولة والضباط. كان رفض لبس الطربوش هو رد فعل ضد ثقافة الإستعمار التركي.

قالت الحجة فطوم هل لبست عدن الطرابيش ؟ قلت لها نعم وبصورة محدودة جدآ بسبب وجود العمامة في تاريخنا ومجتمعنا ، وأذكر في طفولتي رأيت قليل جدا من وجهاء عدن من يلبس الطربوش التركي الأحمر ، ومنهم كما أذكر الحاج عبد الحميد عبادي ، وعلي عقبه والأستاذ أفضل في حارتنا. و أتذكر أن كثير من اليهود من سكان عدن ، كان أكثرهم يلبس الطرابيش الحمراء. 

يا حجة فطوم عام 1962 حين ألتحقت كضابط في قوة بوليس عدن ، كان الجنود يلبسوا الطرابيش بلون أزرق داكن ويتوسط الطربوش شعار قوة بوليس عدن. ويلبس الجنود في الحرس الوطني الإتحادي والجيش العربي العمائم. وفي بداية 1965 أختفى الطربوش في قوة بوليس عدن ولبس الجنود البيريه الأزرق.

ومن الغرائب في طفولتي كنت أسمع اغنية مصرية اسطوانات من طرب الحجة زينب بنت مسلم أم جارنا فضل حسن عبد الاه - أغنية غريبة تقول : طربوشك أحمر يا بربري - أما سعيدة يا بنت عثمان - ما فيش زيك في البلدان - طربوشك أحمر يا بربري . لا أعرف معنى لهذه الأغنية وأعتقد ان مغنيها مغني مصري قديم إسمه علي الكسار ، بحث وسألت عن هذه الأغنية في القاهرة ولم أجد لها أثر.

يا حجة فطوم ومن الطرائف التاريخية عن الطربوش في مصر ، بعد الثورة منع جمال عبد الناصر لبس الطرابيش في مصر لأنه كان لباس تركي إستعماري ، ولكن والد جمال عبد الناصر كان مصرآ على لبس الطربوش ، وحين قالوا له إن أبنك الرئيس جمال منع لبس الطرابيش ، أجابهم ضاحكآ : جمال عبد الناصر يحكم مصر - ولكن لا يحكمني ..


* محمد أحمد البيضاني كاتب عدني ومؤرخ سياسي القاهرة