من ذكريات عدن زمان : الفحول العدنية .. والحجة فطوم
رياضة الاطفال في عدن في ستينيات القرن الماضي
((عدن حرة)) عدن :
الخميس 2014-03-20 20:30:21
قلت للحجة فطوم أولا نشرح للجيل الجديد هذه الكلمة في اللهجة العدنية وهي لا تعني الفحول في عالم المواشي ، الفحل والجمع فحول ، وهي تعني "طيارة الورق" ، كان هناك موسم خاص في عدن ونسميها أيام الريح ، تهب على عدن رياح قوية ، وهنا تبدأ هذه اللعبة الجميلة وتصبح سماء عدن ملونه بالفحول – طيارات الورق ، كرنفال رائع يغطي سماء عدن من كل الأحجام والألوان للفحول . والبعض يطلع إلى سطوح المنازل لمشاهدة معركة فنية جوية اسمها "المقاطعة" بواسطة الخيوط التي تكون حادة ونسميها في عدن "البانكه" ، وهذه البانكه تتم بدق زجاج ناعم وبيض وعجين ، ثم نقوم بدعك الخيط بهذا المسحوق ويصبح حاد قاطع مثل السكين ، وترى بعض الفحول تنقطع وتهوي إلى الأرض وهناك تحية وهتاف عدني خاص يقول : "جي سكينه .. جي سكينه جي" وتعني سقوط الفحل والهزيمة في معركة الفحول .
ضحكت الحجة فطوم وقالت يا سلام على عدن الجنوبية العربية بلادنا العريقة ولعُبنا الشعبية.
قالت الحجة فطوم أصبر با اعمر ماي فرست بوري وبا أجيب لك مُشبك ومضروب "حلوى لحجية" من لحج الحبيبة وقهوة قشر ، وبعدين حازيني ، ثم واصلت ضحكها وقالت : جي .. يا وحدة عصابة صنعاء جي ، فحولكم قُنباصي ، فحل الوحدة الهشتي لا تعرفوا لعبة الفحول ." ثم قالت يا محمد من هذا "سكينه" ، قلت لها هذا عدني عريق من أبناء عدن ، كان له دكان في زقاق الشيخ عبدالله ، كان فنان يصنع الفحول ويبيعها للهواة .

صورة تعبيرية فقط لتوضيح معنى كلمة "فحول" طائرات ورقية
يا حجة فطوم هذه لعبة عدنية عريقة وكان عيال عدن والبانيان وحتى نساء البانيان يطلعوا إلى سطوح البيوت "يفحلوا" . أذكر عمتي العظيمة المرحومة "عزيزه " زوجة عمي المرحوم علي محمد عمر جرجره الشيبة البيضاني كانت تجيد هذه اللعبة وأطلع معها إلى سطح البيت وأنا طفل أحمل لها "الشوركي" وهي إسطوانه من الخشب تحمل الخيط الطويل ، وهي تعطينى أوامر وتقول: "ديل يا محمدي ديل" .. أي أفتح الخيط، ثم تقول "لُف" أي أطوي الخيط وهي تقوم بمهاجمة الفحول في السماء، هناك هجوم وتراجع وهي تقود العملية مثل حرب الطائرات العسكرية .. فن لعبة عدنية.
يا حجة فطوم سافرت طويلا وكثيرآ في الدنيا ولم أرى هذه اللعبة سوى في الهند ، الفلبين وسانغفورا التي كنت أتوقف فيها في طريقي إلى استراليا ، ولكني سمعت إن في بلاد الشام – سوريا ولبنان أرض الصمود و الجمال والفن والشعر والموسيقى ، أرض فيروز ، الرحباني ، ميادة الحناوي ، غادة السمان ، عثمان الحناوي ورندا المُر ، وتأكدت لما سمعت ووجدت ذلك بالصدفة في أجمل أغاني فيروز : طيري يا طياره طيري – يا ورق وخيطان – بدي أرجع بنت صغيرة – على سطح الجيران – وينساني الزمان – على سطح الجيران – عللي فوق سطوح بعاد – ع النسمة الخجولة – اخدوني معهم الولاد – وردولي الطفولة – ضحكات الصبيان – وغناني زمان – ردت لي كتبي ومدرستي – والعمر اللي كان – وينساني الزمان – على سطح الجيران – لو فينا نهرب ونطير – مع الورق الطاير – وينساني الزمان على سطح الجيران .
تبسمت الحجة فطوم ابتسامة رائعة وقالت يا سلام على فيروز والرحباني .. يا سلام على أرض العنب والزيتون والمحبة والسلام .. يا سلام على ياسمين الشام.
* محمد أحمد البيضاني كاتب عدني ومؤرخ سياسي كوبنهاجن
ليست هناك تعليقات:
أكتب تعليقك ورأيك في الموضوع