اخر الاخبار
recent

الكُعدل .. من الحكايات الطريفة في عدن زمان




صورة للترجمان العدني بجانب مدرسة اليهود بكريتر



((عدن حرة)) عدن :
الخميس 2014-03-20 22:23:43




يا حجة فطوم أجلس كعادتي في رمضان في القهوة التي في الحارة أشرب الشاي واتأمل الناس وهي تسير في هذه الحياة ، كل له عالمه ، لا أشعر أني وحيد مطلقآ – أشعر أني جزء من الناس حولي ، البعض يبتسم لي وأصبح يعرفني في الحارة . ما أجمل ليل القاهرة منورة بالفوانيس والشرائط الملونة ، الأطفال يحملوا كبريت النجوم والطماش في رمضان ، هناك فرحة في عيون الناس بالرغم مما يجري في المكان الآخر - التلفزيون والموسيقى في كل مكان ، الحلويات بصناديق ملونة تبشر بقدوم العيد ، بالرغم من حر القاهرة إلا إن هذه الأرض الطيبة تمنح الناس نسمات باردة تنعش القلب - إنها النسمات الباردة التي يهبها النيل في الليل الجميل، هذه النسمات أجلس في انتظارها لتدخل أعماقي وتشعرني إن الحياة تضمني في هذا الليل الذي لا يعرف الحزن .. ضحكات الأطفال في طرف الشارع وفرحتهم بالعيد القادم تبعث في نفسي معرفة جمال هذا الوجود.


يا حجة فطوم سوف أجازيك محزايه من أروع المحازي التي مرت في حياتي والكثير لا يعرفها ، كان موقع عملي يجعلني أطلع على كثير من جوانب تاريخ بلادي السياسي ، وأنا أنقله وأسجله بصدق وأمانة ، ليس لي غرض أو مصلحة شخصية ، كنت مراقب ومحايد للأحداث عند الثورة السياسية ولم أشارك فيها مطلقآ ، كنت شاهد على التاريخ. 





يا حجة فطوم أضحك من أعماقي أكتب وأنا أضحك كيف خطرت في نفسي هذه الحكاية الظريف الهامة التاريخية والتي لم تروى من قبل.

قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد با أعمر ماي فرست سبيشل بوري وبا أجيب حولايه سبيشل بودينج على الطريقة العدنية – مش حق القراطيس وبعدين حازيني .

يا حجة فطوم قبل أن ندخل في هذه الحكاية المهمة والضاحكة ولأنها تصور فترة مهمة من تاريخ عدن السياسي ، يجب أن نشرح للقارئ هوية تلك الشخصيات حتى يعرفوا عمق وأيضا طرافة هذه القصة التي هزت عدن في حينها ، ونأسف من التطويل الذي نتجنبه ولكن هنا لن تعرف هذه الحكاية النادرة دون معرفة أبطالها ، والفترة الزمنية التي حدثت فيها تلك القصة الضاحكة التاريخية.

يا حجة فطوم القصة حدثت في عام 1965 – البطل الأول هو الميجر - الرائد بيري ضابط بريطاني في بوليس عدن ، وكان في حينها مدير المرور في عدن ، وقد عرفت هذا الضابط عن قرب ، كان يختلف عن بقية الضباط الإنجليز ، ضابط *غير مؤثر* وليس له شخصية هامة في القوة، كانت تصرفاته أحيانآ تبدو ساذجة وبهلوانية وله قصص وروايات كثيرة سنذكرها فيما بعد .


ضحكت الحجة فطوم وقالت يعني ضابط * مُكيكي * كما يقولوا في العدني .. كلمة أندثرت من القاموس العدني.


قالت الحجة فطوم والثاني الكُعدل ‘ قالت لها الكُعدل عدني ظريف كان يشتغل كاتب * عرضي حالات * وله كرسي ومطبعة وميز فوق الفوت بات ، كان يجلس عند مدرسة اليهود يشتغل في كتابة العرضي حالات والشكاوي . يسكن بيت في شارع الزعفران. 



بداية قصة الكُعدل السياسية هو إن بعض من عيال حافة القاضي كان يخزنوا قات في مبرز الكُعدل الذي يقع في الطابق الأرضي من منزله ، قاموا في أحدى المرات ب * وداف * الكُعدل لدخول انتخابات المجلس البلدي في عدن وكانت هذه أول خطوة سياسية له . قالت الحجة فطوم أول توديفه له.


يا حجة فطوم تغيرت شخصية الكُعدل ومبرز الكُعدل الذي تحول إلى مبرز سياسي ، وأصبح الكُعدل يجلس في المبرز كأنه سياسي عريق ، وهنا لعب روفلات عيال حافة القاضي دور هام في تفخيم ونفخ سُبلة الكُعدل الذي خيل إليه إن أصبح السياسي الأول في عدن .


يا حجة فطوم هذا لم يكن بدون ثمن ، كان عيال حافة القاضي كل يوم في مبرز الكُعدل ، وهنا ينزل الغذاء من بيت الكُعدل – غذاء فاخر ، ولحوم وفته من المخبازه ، وقات هرري ، وتنباك مدايع ، وكوكا بارد ، ماء بارد ، سجائر ، وحلاوه من حق الصوري بعد الغذاء ، ومصاريف يد لكسب أصوات الناخبين لكُعدل وإكراميات ومصاريف إنتخابية في الحملة الانتخابية. أصبحت القضية * فُتي روشي * لمدة 12 يوم من جيب الكُعدل.

يا حجة فطوم بدل الكُعدل الغالي والنفيس من أجل الإنتخابات التي ستحدد مستقبله السياسي ثم أبعد من ذلك الطريق إلى الوزارة. 




يا حجة فطوم كان يوم من الدهر حامي غباره ، أستأجر الكُعدل عدة سيارات بريوت وعليها صوره ، وعلقت صوره في حافة القاضي والزعفران . كان مجد عظيم ثم جاء يوم الإنتخابات وأعلنت النتيجة وفشل الكُعدل فشل ذريع ، كانت هزيمة تحدث عنها الركبان من بيت الحداد حتى بيت الزيدان ، ومن تقارير التصويت أنتخب الكُعدل 20 روفل – 3 مقاوته – 4 شوكي دار .


يا حجة فطوم ثاني يوم بعد الظهر كالعادة ذهب عيال حافة القاضي إلى مبرز الكُعدل ، لم يجدوا الغذاء أو القات أو أي شئ ، كان غرضهم في الذهاب هو شرح أسباب هزيمة الكُعدل – كما قالوا ضعف برنامجه الإنتخابي ،


ضحكت الحجة فطوم وقالت برنامج * ركيك * - الكُعدل ما عنده برنامج لحياته .


أنتظر عيال حافة القاضي نزول الكُعدل كالعادة ، هنا كانت المفاجأة ظهرت أخت الكعدل وهي ماسكه باكوره ، وضربت عيال حافة القاضي وهي تقول : يا روفلات صرفنا عليكم 10 الف شلن راحت فطيس ، روحوا عند أمهاتيكم يلعن أبو ماكروع . يا حجة فطوم عاد الكُعدل مرة أخرى إلى الفوت بات يشتغل – يطبع عرضي حالات . لم يعرف إن القدر في إنتظاره هذه المره بدون مرفالة عيال حافة القاضي - بدون فُتي روشي – بدون قات وتنباك بواري.


يا حجة فطوم في عام 1965 وحكومة الإتحاد تتخبط من التغيير في المنطقة ، ورفض الكثيرين من تعين دخولهم أعضاء أو وزراء في حكومة الإتحاد وذلك خوفا من رصاص مسدس بريتا الإيطالي 9 مليمتر في شوارع عدن. 



يا حجة فطوم جاء القدر مرة أخرى ، و لا ندري كيف عين كُعدل وزير في الحكومة وأعطيت له سيارة ، وسائق وراتب ، وعلم فوق السيارة .

يا حجة فطوم غامر كُعدل وقبل التعين ولم يصدق نفسه بالرغم من الخطر ، فرصة لن تأتي مرة أخرى . أشتدت العمليات الثورية في شوارع عدن والكُعدل يعيش في غيبوبة السيارة وفوقها * العلم * . يا حجة فطوم هنا تأتي القصة التاريخية وكيف حدثت . كان الوزير الكُعدل في طريقة إلى مدينة الإتحاد ، في الطريق البحري من كريتر إلى خورمكسر ، في ذلك اليوم كان الميجر بيري وبرفقته عسكر من المرور يقوموا بتفتيش السيارات ، وحين جاءت سيارة الوزير كُعدل وأصر الميجر بيري على توقيفها وتفتيشها مثل بقية السيارات ، خرج كُعدل لبيري الذي لم يعيره أي إهتمام وأصر على التفتيش ، رجع الكُعدل إلى السيارة وقال للسائق تحرك أمشي – تعرض بيري للسيارة التي دهفته وأتكعدل على الأرض واستمرت سيارة الكُعدل في السير.


يا حجة فطوم أبلغ مدير الأمن بالموضوع الذي أصر على محاكمة كُعدل الذي كَعدل بضابط بوليس بريطاني ، وأصرت حكومة الإتحاد على عدم محاكمة الوزير كُعدل. خرجت صحف عدن ومنها * فتاة الجزيرة * في مانشيت عريض في الصفحة الأولى : الوزير الإتحادي كُعدل يُكعدل بضابط بوليس بريطاني .


يا حجة فطوم كانت بريطانيا في حيرة وإحراج من الوضع ، لفلفت الموضوع فلم تقدم الكُعدل للمحاكمة .. ولكن كُعدل لم يركب مرة أخرى - سيارة فوقها علم ..


* محمد أحمد البيضاني كاتب عدني ومؤرخ سياسي القاهرة

ليست هناك تعليقات:

أكتب تعليقك ورأيك في الموضوع

يتم التشغيل بواسطة Blogger.