Monday, March 17 2025

من ذكريات عدن زمان : مُشدة جامعو .. والحجة فطوم




((عدن حرة)) عدن :
الثلاثاء 2014-04-22 01:14:25




يا حجة فطوم في مقالنا السابق تكلمنا كلام قصير عن العمامة – المُشده ولكن اليوم سنتكلم بتوسع عن المُشدات العدنية وخاصة القصة التاريخية – مُشدة جامعو. قالت الحجة فطوم اصبر يا محمد با أعمر ماي فرست بوري وبا أجيب لك عواف صابع وشاهي وبعدين حازيني .


قلت يا حجة فطوم منذ عام 1900 بدأ سكان عدن في إزدياد وجاء كثير من الناس إلى عدن للعمل من اليمن والصومال والهند .


كانت الناس في عدن تلبس غطاء الرأس وهذا تقليد مهم يدل على الإحترام للشخص ، كان غطاء الرأس عمامة أي مُشده أو كوفيه على الرأس ، كانت المُشدات متنوعة وأفخمها المُشده التاريخية – "المُشده الرشون" ، وهي مُشده غالية جدآ ومصنعة من قماش "محمودي" الحريري الفاخر ونقوش في غاية الروعة والجمال ،



كانت المُشدة تحفة فنية غالية وتلبس في المناسبات فقط ويلبسها الأغنياء دومآ ويلبسها الأعيان والقضاة والشيوخ والمدرسين ، وقد أختفت هذه المُشده في الستينيات ، كان آخر من لبسها في عدن الشيخ التاجر علي محمد جبلي في حارتنا ، والتاجر الشيخ جعفر ميرزا ، وشخص آخر اسمه عباس ويعمل دلال ويسكن في حافة جوهر . لبسها المدرسين في أيامنا منهم أستاذ الأجيال سعيد مدي ، والأستاذ الشاعر المفكر أحمد بن أحمد ثابت.


يا حجة فطوم كانت المشده الرشون من يمتلكها في تلك الأيام مثل من يمتلك الآن سيارة مرسيدس وهي قمة في الوجاهة ، وفي الحقيقة إن اسمها ليس رشون ، بل إسمها "رشوان" وهي صناعة سورية ومصنعها معمل السيد رشوان ، سوريا تملك أعظم مصانع في تاريخ العرب في صناعة القماش والملابس الداخلية وايضآ تصنع نوع آخر فاخر من المُشدات الصوفية ويسمى الشال أو الديسمال ويلبسه القضاة والعلماء .



جاءت هذه الشهرة من نوعية الصوف السوري الفاخر الذي يُجز من أجود أنواع المواشي في العالم وهي أغنام "العويسي" التي تحمل هذا الصوف الفاخر واللحوم الجيدة. يا حجة فطوم وأذكر في طفولتي كان يوجد مستودع فخم يملكه سوري في منتصف السوق الطويل في كريتر ، كان يبع المُشدات الرشون والشالات الصوفية والملابس الداخلية القطنية الغالية ، كان أبي يشتري الملابس الداخلية من عندهم . النوع الآخر من المُشدات وهي شعبية للعمال وتسمى "مُشده مَركني" نسبة إلى قماش أمريكي رخيص جاء بعد الحرب العالمية الثانية.


يا حجة فطوم سوف أحازيك محزاية العمر – محزاية مُشدة جامعو ، أولآ سوف أعرفك بشخصية جامعو المميزة التي لا يوجد لها مثيل ، لا أحد يعرف متى جاء جامعو إلى عدن فهو رجل يعمل في كل المهن : دريول ، شوكي دار ، مساعد طباخ ، نجار ، عامل وأحيانآ عسكري ، المهم عنده "لعج" في اللهجة الصومالية أي فلوس يعيش منها ، أحيانآ يسكن في كريتر و المعلا و القلوعة ، رجل بدون عنوان . في أحد الأيام كان جامعو يسكن في القلوعة وله صديق من عيال المعلا تزوج ودعى جامعو إلى المخدره حق الزواج، كان جامعو يحب هذا الصديق وعملوا دريولات معا في البوتريس

 



أستعد جامعو لهذه المناسبة المهمة وأحب أن يجامل صاحبه، ذهب إلى أحد الدوابيه في المعلا لاستئجار "مُشده رشون" وفوطه وكوفيه . كان هناك نظام في عدن حيث يقوم بعض الدوابيه في عدن في تأجير الملابس للمناسبات وأيضآ عندهم حمامات للإستحمام ويكلف الحمام نصف شلن وحتى قعايد – سرير للنوم شلن في الليلة . خرج جامعو من عند الدوبي وهو في كامل الأناقة بعد الحمام ولبس الثياب وترك المُشده الرشون على كتفه ومن عادة الصومال ترك المُشده على الكتف.


يا حجة فطوم أشترى جامعو حبة قات هرهري وذهب إلى المخدره في سيارة تاكسي "إنجيز" زيادة في الأبهة . دخل المخدره وجلس بعد السلام على صديقه ، عند المغرب جاء المطرب وغنى وقام بعض الناس يشترحوا – أي يرقصوا ، أخذت نشوة القات الحبشي في رأس جامعو وقام يشترح مع كثير من الناس وأختلط الحابل بالنابل ، وحتى يومنا هذا لا أحد يعرف من الروفل الذي سحب المُشده الرشون من فوق كتف جامعو وخرج بها، وجامعو منسجم بالقات والرقص بالباكوره يهزها بنشوة . 




بعدها جلس جامعو دون أن ينتبه إلى فقدان المُشده، وحين قام جامعو للخروج أكتشف فقدان المشده الرشون ، فصاح بصوت كأنه زئير أسد جريح : سُورق من هادي سرقت مُشدة جامعو". جامعو لم يجد الغريم وخرج من المخدره ، وفكر طويلآ كيف يرجع إلى محل الدوبي بعد ضياع المشده الرشون ، ذهب إلى صديق وأعطاه الثياب يرجعها إلى الدوبي وفي الصباح غادر جامعو إلى لحج وأستوطن فيها وحلف يمين أن لا يدخل عدن مرة أخرى ، وسمعت من صديق إن جامعو عاش في لحج ومات فيها.


ضحكت الحجة فطوم كثيرآ من قصة مُشدة جامعو ، قلت لها أن أحد عيال حافة القاضي تضامن مع مأساة مُشدة جامعو فرثاها بقوله : بكى جامعو لما رأى المُشده دونه – وعرف أن الدوبي ينتظره في المغسله - قال له روفل لا تبكي يا جامعو - المسألة كلها سرقة نذل ومرفله .


* محمد أحمد البيضاني كاتب عدني ومؤرخ سياسي دمشق الحبيبة

ليست هناك تعليقات:

أكتب تعليقك ورأيك في الموضوع

يتم التشغيل بواسطة Blogger.