من ذكريات عدن زمان : القراحيف .. والحجة فطوم
احدى الرحلات العائلية بعدن قديما
((عدن حرة)) عدن :
الخميس 2014-03-13 21:15:22
تلعب الأزياء الشعبية والعادات دوما دورا مهما في حياة الشعوب ، وأنطلقت حضارة الشعوب من المورث الشعبي الذي يشكل ملامح أمة والتاريخ الوطني للناس. كيف جاءت لنا تلك الأزياء والأدوات عبر سنين طويلة في تاريخ البشر ، إن الحياة ووسائل الحياة في تطور بدء من العادات والصناعات البدائية حتى بلغ يومنا هذا قمة الرقي والأناقة ، العالم في تطور مستمر وهذه سنة الحياة. أدواتنا وما صنعته جداتنا في حواري عدن هو الأساس للأدوات الإنسان اليوم في عصرنا، بدأت صناعة الكثير من العمل اليدوي وفنون جداتنا حتى صار إلى التصنيع ولكن فقد * روعة الفن * - فن جداتنا . والغريب في الأمر إن كثير من الأشياء تتشابه في وجدودها في أمم كثيرة بالرغم تفصلهم مسافات بعيدة ووسائل إتصال معدومة – ترى كيف نفسر ذلك ؟ قراحيف في حافة القاضي وحافة حسين والقطيع ونفس القراحيف موجوده في الدنمارك والسويد وهي قراحيف قديمة حيت سألت عنها حين كنت الدنمارك عام 1968. الإنسان هو الإنسان خلقه رب العالمين ، والفكر البشري واحد منذ القدم ولكن تفاوت الناس لأسباب إقتصادية وعلمية فتفاوت الناس في الإبتكار – فكانت صناعة العجلة .. البدء كان في العجلة.

قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد با ألت التنباك بالملت وبا أعمر ماي فرست بوري وبا أجيب لك حُولايه حلاوة اللبن وقهوة قشر وبعدين حازيني . قلت لها باحازيك هذه الليلة عن القراحيف العدنية وتاريخها -.يا حجة فطوم لقد كتبت المقال عن القراحيف في عدن وهو مقال طويل جدا وقمت بإختصاره الآن ، والذي دفعني إلى كتابة هذا المقال حادثة ظريفة حدثت الليلة وهي اشتريت شبب حمام منذ فترة من شارع سليمان جوهر ، الغريب في الأمر وأحينا حين ألبسه في البيت أسمع صوت غريب صادر من بعيد – صوت بسه – قطة صغيرة – صوت واضح وكنت أعتقد إن الصوت يأتي من الشارع الذي لا يكف عن الضجيج ، الليلة عند الفجر وهي الساعة التي أكتب فيها ، طبعآ والهدوء من حولي سمعت نفس الصوت – صوت بسه صغيرة ، تعوذت من الشيطان وفحصت الشبشب وقاع الشبشب لا يوجد فيه شي , أعتقد إن الشبشب صناعة صينية ويصنعوا أحذية الأطفال وهي تصدر أصوات موسيقية لطيفة ، وقلت ممكن يعملوها في الشباشب ، ولكن لا يوجد شئ غير الفراغ في البلاستك يعمل هذا الصوت .
ضحكت الحجة فطوم وقالت تفوه إبليس لو كان في واحد مُباود – با يتباود من سشبشب البسس صناعة الصين.
يا حجة فطوم القراحيف هي شباشب الحمام والمنزل وكانت مصنوعة من الخشب الناعم المصقول ، للمشي بها في المنزل . كانت تلك القراحيف تصدر إيقاع جميل يصور مشية العدنية وخطرتها الجميلة في البيت لتحكي جمال الأنوثة في المشي بإيقاع القراحيف العدنية ، و لا تستعمل القراحيف العدنية خارج المنزل. كانت القراحيف تأتي من الهند وأجملها وأغلالها تأتي من جزيرة زنجبار في إفريقيا.

ضحكت الحجة فطوم وقالت لهذا كانت الأغنية الشعبية العدنية تقول : واحده وليده وعيونها كُبار - تشتي قراحيف من حق زنجبار . نعم لا أحد يدري لماذا أشتهرت القراحيف الزنجبارية ، وأعتقد إن نوع الخشب المصقول الخفيف جدآ هو السبب في روعة هذه القراحيف التي تغنت بها أمهاتنا وجداتنا في عدن.والقراحيف الخشبية ليست موجوده في عدن فقط بل موجوده في الشام ومصر وتسمى هناك * القبقاب * ، وتتواجد في الحمامات الشعبية – حمامات البخار في دمشق والقاهرة وفي البيوت أيضا. ومن قصص التاريخ عن الملكة شجرة الدر سلطانة مصر وتقول الحكايات الشعبية التي كات يحكيها الحكواتي في المقاهي الشعبية في مصر حتى بداية القرن التاسع عشر – يقول الحكواتي عن نهاية شجرة الدر المأساوية كان على يد جواريها حين دخلوا عليها الحمام وضربوها بالقباقيب ثم رموا جثتها من فوق سور القلعة. قالت الحجة فطوم ليش سموها شجرة الدر ؟ قلت لها كانت جميلة وهي من أرمينيا وكان أبوها يحبها فصنعوا لها فستان مطرز باللؤلؤ – الدر، فسميت شجرة الدر – وأسمها السلطانة أم خليل وكانت جارية ثم أعتقوها وتزوجها سلطان مصر ، وقد خلدتها السينما المصرية في الثلاثينات بفيلم يحكي قصة حياتها مثلته الممثلة آسيا .
يا حجة فطوم ومن المضحك والمسلي إن القراحيف العدنية كانت رمز الأنوثة والجمال في مشية العدنية وأيضا تستعمل كسلاح للضرب حين تقوم المعارك بين النساء ، ولفظ القرحفه أيضآ من أحد الشتائم. يا حجة فطوم عام 1968 حين كنت أستوطن السويد والدنمارك وجدت إن الشعب الإسكندنافي يستعمل القراحيف إستعمال عام وتغطى بالجلد والنقوش الجميلة وهي من الخشب الفاخر ، وتستعمل كشبشب للخروج خارج المنزل ولا تستعمل للحمام ، وتلك القراحيف الفاخرة تقليد إسكندنافي تاريخي قديم وهي غالية الثمن ، ويستعملها الرجال والنساء. ضحكت الحجة فطوم وقالت القراحيف يستعملها حريم الدنمارك والسويد ولكن بدون إيقاع أو خطره .. خلي لنا الخطره يا محمد.. الخطره ومشيت الحمامة حق بنات عدن. قلت للحجة فطوم لا أحد يعرف متى بالضبط أختفت القراحيف العدنية ويبدو أن القراحيف أختفت منذ عام 1950 ، وبعدها جاءت الشباشب الربل - أي المطاط والبلاستيك للحمام والخروج بها خارج المنزل.

يا حجة فطوم على ذكر الشباشب والجزمات الموسيقية ، أحازيك هذه المحزايه التي حدثت في الستينات في محكمة التواهي ، هناك قصة تاريخية ظريف كنا ذكرناها في رمضان السابق عن هذه الأماكن ونعيد هذه الفقرة لأهميتها الضاحكة والتاريخية .
يا حجة فطوم في الأربعينيات كانت الجزمات والكمارات والشباشب تصنع يدويا في دكاكين خاصة وتصنع من الجلد وصانعها يطلق عليه "الموشي" – وهي كلمة هندية . كانت هذه المحلات تصنع الجزمات والشباشب والكمارات والسيور ، وأذكر هناك محل أمام مدرستنا – مدرسة الدينسي ، ومحل آخر في سوق الطعام و كانت الجزمات والكمارات تزين بفصوص جميلة ، والظريف جدآ إن نساء الصومال أحبوا هذا النوع الخاص من الجزمات ، والغريب في الأمر إن هذا الحذاء النسائي والرجالي يصدر صوت موسيقي وإزعاج غريب. ضحكت الحجة فطوم وقالت كان صوت مميز : زيط ميط .. زيط .. آخر فشعه ..

يا حجة فطوم في أحد الأيام وفي محكمة التواهي - قاضي المحكمة اسمه "مستر بيل" وكان عصبيآ ويحب الهدوء والنظام بطريقة مبالغ فيها في المحكمة . ذلك اليوم التاريخي والصمت والهدوء يسيطر على جو المحكمة حين كان "مستر بيل" يقرأ بعض التقارير – فاجأه مزق جدار الصمت أصوات موسيقية. دخلت سيدة صومالية طويلة عريضة وهي تلبس ذلك الحذاء التاريخي وهو يصدر أصوات موسيقية ، كانت تمشي بكل فخر تصاحبها * فرقة حسب الله * ، أندهش القاضي البريطاني من صوت الموسيقى وطلب إحضار السيدة إلى قاعة المحكمة وعرف أن صوت الموسيقى يأتي من حذاء السيدة الذي يسبب في إزعاج المحكمة. أصدر حكم بسجنها يوم في المحكمة وغرامة مالية 20 شلن . قال لها : حين تريدي أن تأتي إلى محكمة مستر بيل أتركي في بيتك هذه الفرقة الموسيقية التي ترتديها - تعالي إلى المحكمة حافية ".
ضحكت الحجة فطوم وقالت هذه الجزمات تعطي موسيقى خاصة و لا أدري من أين تأتي الأصوات الموسيقية وأعتقد إنها من إحتكاك الجلد السميك في الجزمة ، وأضافت مثل شبشبك الصيني بصوت البسس – قلت لها ضاحكا خلي المناجمة يا حجة فطوم.
* محمد أحمد البيضاني كاتب عدني ومؤرخ سياسي القاهرة
ليست هناك تعليقات:
أكتب تعليقك ورأيك في الموضوع