عدن و الحنون
بائع فل ومشوم
عدن حرة / عدن
عدن .. وطني أجمل مزهرية .. نجمة على شعر صبية . عدن .. يا مهد الحب والفن والجمال .. عدن بلاد الحنون .. ذلك الحنون الذي يكتب في الليل ألف قصيدة شعر . الحنون .. يرصع شعر كل عاشقة .. يضم جدايل شعرها وتتساقط على شيدرها براعم الحنون كأنه در مكنون .. شيدر عدنية يخطو على رمال ساحل أبين ليحكي للدنيا قصة حب قد عبر ولم تبقى سوى الذكرى تستقر في أعماق النفس .. تغني وتبكي إلى الأبد.
شتاء عام 1982 عدت من سيدني إلى جدة وتوقفت في عطلة قصيرة في لبنان , ذهبت إلى قرى الجبل وسكنت في موتيل عائلي صغير لا يوجد فيه أكثر من 10 نزلاء ، كنت أنشد الهدوء والسكنية من ضجيج الأبراج السكنية في سيدني .. غابات الأسمنت والحديد . كنت أنشد بيت سطحه من القرميد الأحمر يعتمر الثلوج ويسامر القمر.
نمت سويعات .. أكره النوم - والنوم أخ الموت .. لم أريد أن أحرم نفسي من كل هذا الجمال المحيط بي .. أعيش اللحظة التي ملك يدي منحها لي القدر ولن تتكرر مرة أخرى . الموتيل صغير من طابق واحد ، خرجت وجلست في الصالة لوحدي أنظر من خلال زجاج النوافذ سقوط الثلوج شعرت بروعة الحياة ومعنى الجمال، هدوء يبعث في الروح التفكير في الرحمة والمحبة والسلام .. إنها اللحظات حين يتصالح الإنسان مع نفسه. هناك صوت من بعيد .. صوت فيرور يجعل لهذا الصمت قدسية التأمل .. والسفر إلى عالم النجوم :
في إيام البرد .. وإيام الشتي .. و الرصيف بحيرة .. والشارع غريق .. تجي هاك البنت .. من بيتا العتيق .. ويقلا أنطريني .. وتنطر على الطريق .. ويروح وينساها .. وتدبل بالشتي .. حبيتك بالصيف .. حبيتك بالشتي .. مرقت الغريبة .. أنطنتي رسالة .. فتحت الرسالة .. حروفها ضايعين .. ومرقت ايام .. وغربتنا سنين .. وحروف الرسالة .. محيها الشتي .. حبيتك بالصيف .. حبيتك بالشتي .. نطرتك بالصيف .. نطرتك بالشتي .. وعيونك الصيف .. وعيوني الشتي .. ملقانا يا حبيبي .. خلف الصيف .. وخلف الشتي.
قمة في العبقرية وتعبير رقيق من مدرسة الإبداع الفني – فيروز والأخوان رحباني. هذا اللحن الفرنسي الذي أقتبسه وطوره الرحباني في أغنية حبيتك في الصيف .. إنها العبقرية الفنية كيف أستطاعوا أن يطوعوا هذا اللحن وإعادة صياغته من جديد ليحمل معنى آخر لثقافة أخرى في الموسيقى. إن العواطف الإنسانية هي نفس العواطف ، وإن أختلفت اللغة في التعبير عنها. إنها عواطف نفس البنت أكانت في الشرق أو في الغرب .. إنها نفس البنت العاشقة .. أكانت تريزا أو زينب .. تلك الصبية التي خفق قلبها بالحب وأنتظرت حبيبها تحت زخات المطر وهطول الثلوج.
ما أروع الشتاء في لبنان .. وسقوط الثلوج في ضوء القمر .. أمام ذلك الجمال تكتب الروح أجمل تعبير عما يسكن في القلب من المحبة والسلام ونبذ الحروب والأحقاد .. إن الجمال يهزم الحقد . الجمال .. إنه السمو إلى عالم مثالي ، إن موت الضمير قاد البشرية إلى الفناء . في الشتاء الجميل على ضوء الشموع أجلس بخشوع و يكتب الليل ألف قصيدة حب. في جبل المزه - دمشق كتبت صاحبة الجدايل الشقر قصة حبيبها .. وحكاية عشقها .. أستخلصت القمر ليخفي سرها.
الجدايل الشقر يتمرجح بها عُمر .
* محمد أحمد البيضاني كاتب عدني ومؤرخ سياسي دمشق الحبيبة
ليست هناك تعليقات:
أكتب تعليقك ورأيك في الموضوع