اخر الاخبار
recent

هل تغيير قيادة البنك المركزي اليمني سيحل أزمة تدهور قيمة العملة الوطنية ؟ (التقرير الكامل)






عدن حرة / كرم أمان

في كل مرة تشهد فيها العملة الوطنية في اليمن تدهورا أمام العملات الأجنبية في السوق المحلية، تتصاعد معها المطالب والدعوات بضرورة تغيير قيادة البنك المركزي اليمني، محملين إياه مسؤولية ذلك الانهيار المستمر لقيمة الريال اليمني. 

وتزامنت تلك الدعوات مؤخرا مع تداول أنباء عن قرارات رئاسية مرتقبة لتغيير قيادة البنك المركزي اليمني للمرة الخامسة على مدى ست سنوات من عمر انتقال إدارته من صنعاء الى عدن بقرار رئاسي في سبتمبر 2016 .

تعاقب على قيادة البنك المركزي منذ قرار انتقال مقره الرئيسي الى العاصمة المؤقتة عدن، أربعة محافظين، بدءا بمنصر القعيطي الذي في عهده تم الاذن بطباعة أكثر من 2 ترليون ريال يمني وفق طبعات جديدة تختلف عن السابقة، في سبيل مواجهة التزامات الدولة واعباءها الجديدة، حيث بات مركزي عدن وقتها مسؤولا عن صرف مرتبات موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري، في حين كانت خزينته تعاني شح كبير في السيولة.

رأت الحكومة اليمنية وبنكها المركزي حينها أن قرار طباعة العملة وعلى الرغم من نتائجه الوخيمة على قيمة الريال اليمني، لاسيما وانه تم دون غطاء نقدي من العملة الصعبة او الذهب، كان ضروريا لمواجهة التزامات واعباء الدولة، حيث كان ذلك بداية منعطف جديد في قيمة العملة المحلية التي ظلت قبل ذلك متماسكة بعض الشيئ ومحافظة على قيمتها وقوتها الشرائية.


بداية التدهور

ظل البنك المركزي اليمني في صنعاء منذ بداية الانقلاب الحوثي على الشرعية في سبتمبر 2014، محافظا على انتظام صرف مرتبات موظفي قطاعات الدولة، مستفيدا من احتياطياته النقدية الكبيرة من العملة المحلية والعملات الصعبة وما يورد له من ايرادات من المحافظات ، وما أن أوشكت الاحتياطيات بالنفاذ، تراجع عن سداد التزاماته من مرتبات، حتى أعلن صريحا في اغسطس 2016 توقفه عن صرف المرتبات، خاصة مع توسع رقعة الحرب و زيادة نفقاته على مجهوداته الحربية التوسعية، في ذلك الوقت وصل سعر صرف الدولار الأمريكي الى 305 ريال يمني، بعدما كان ثابتا لسنوات على 215 ريال، في حين تجاوز سعر الريال السعودي حاجز الـ 79 ريال يمني، مرتفعا بنحو 22 ريال.

تدخل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي حينها، وأصدر قرارا في سبتمبر 2016 بنقل مقر البنك المركزي الى العاصمة المؤقتة عدن وتشكيل مجلس إدارة جديد للبنك ، وهو القرار الذي نقلت بموجبه كافة التزامات واعباء وديون الدولة من صنعاء الى مركزي عدن الذي كانت خزينته وقتها شبه خالية من السيولة و الاحتياطيات، ولا يستطيع أن يتحكم بأي أرصدة لليمن في البنوك الخارجية.

ظلت أسعار صرف العملات الاجنبية منذ ذلك الحين شبه مستقرة بين 305 و 80 ريال للدولار و السعودي، حتى يناير 2017 الذي كان موعدا لمنعطف جديد لقيمة العملة اليمنية التي بدأت تتراجع متأثرة بوصول أول دفعة من الطبعات الجديدة للعملة الى عدن من فئتي ألف ريال و خمسمائة ريال، وبدء ضخها في السوق، ولم ينتهي العام 2017 إلا وقد تجاوزت أسعار صرف العملات حاجز الـ 450 ريال للدولار و 120 ريال لكل ريال سعودي، مع استمرار وصول الدفعات من الطبعات الجديدة للعملة تواليا، وتوسعها لتشمل فئات اخرى مثل 200 ريال و 100 ريال.


وديعة سعودية ومحافظ جديد

في يناير 2018 أودعت السعودية ملياري دولار في حساب البنك المركزي اليمني بالخارج، في سبيل الحفاظ على قيمة العملة وتعزيزها ومنع تدهورها،وسط دعوات بدأت تنشط على منصات التواصل الاجتماعي تطالب بتغيير قيادة المركزي اليمني، ليتم بعدها تعيين محمد زمام محافظا جديدا للبنك المركزي في فبراير من ذات العام، ومع ذلك تواصل ارتفاع أسعار الصرف، مسجلة في نهاية العام 2018 ارتفاعا بمعدل 70 ريال مضافا للدولار على سعر صرفه بداية العام، وبمعدل 20 ريال تقريبا مضافا على الريال السعودي،


محافظ ثالث لستة أشهر

استمرت تغييرات الرئيس اليمني لقيادة البنك المركزي، آملا في تحسين الوضع الاقتصادي وتعزيز قيمة العملة الوطنية، إذ تم تعيين حافظ معياد محافظا جديدا للبنك بدلا عن زمام في مارس 2019، بعد ما شن الأول حملة الكترونية، كشف فيها ما يصفها بعمليات الفساد والعبث والتلاعب التي نفذها سلفه بالوديعة السعودية، متزعما حملة تطالب بتغيير قيادة البنك.

ومع ذلك، لم يهنأ الريال اليمني بالاستقرار ، حيث ما لبث أن أستعاد جزء من قيمته لأيام معدودة ، حتى عاد مجددا بالانهيار، ففي سبتمبر عام 2019 سجلت اسعار الصرف ارتفاعا قبل صدور قرار إقالة معياد بساعات، وبلغت نحو 615 ريال للدولار و 162 ريال لكل ريال سعودي، وهو القرار الذي سبقه حملة الكترونية تطالب بتغيير قيادة البنك المركزي.


اعوجاج المنحنى

كان عهد أحمد عبيد الفضلي المحافظ الرابع للبنك المركزي اليمني منذ 19 سبتمبر 2019 وحتى اليوم، بداية لاعوجاج منحنيات ومؤشرات أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال، التي كانت قبل ذلك تشهد ارتفاعا نسبيا وبمنحنى ثابت تقريبا بين عدن و صنعاء ، ويعود ذلك الى عدة أسباب، لعل اهمها يتركز حول قرار الحوثيين وبنكهم المركزي بصنعاء بوقف تداول الطبعات الجديدة في مناطق سيطرتهم، وتأثيرات ذلك القرار على فصل العملة الوطنية وانقسامها الى عملتين بقوتين شرائيتين ، فضلا عن اقتراب انتهاء الوديعة السعودية. 

في سبتمبر 2021، أي بعد اكتمال عامين على تولي الفضلي مهام محافظ المركزي اليمني، كان الدولار والريال السعودي قد سجلا ضعف سعر صرفهما امام الريال اليمني 1200 ريال، 320 ريال، ولم يمض شهرين حتى وصلت اسعار العملات الى 1600 ريال للدولار و 420 لكل ريال سعودي، في منعطف خطير ومؤشر اقتصادي فادح، فاقم من ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية و الخدمات والمشتقات النفطية في عدن والمحافظات المحررة، وسط آمال اقتصادية بتحقيق مزادات البنك المركزي المعلنة مؤخرا توازنا وامتصاص السيولة الكبيرة والتضخم من العملة المحلية في السوق، والسيطرة على سوق الصرف وكبح جماح الصرافين المضاربين بالعملة.


مطالب بتعيين قيادة جديدة

ازاء ذلك، أعاد ناشطون يمنيون مطالبهم وحملاتهم الالكترونية الداعية الى تغيير قيادة البنك المركزي للمرة الخامسة خلال خمس سنوات، وعلى وقع ذلك، تواصلت إرم نيوز مع عدد من الاقتصاديين والباحثين والمهتمين بالشؤون المالية والمصرفية في اليمن، لأخذ اراءهم حول أهمية ما يتداول من انباء وحملات لتغيير قيادة المركزي اليمني تأثيرات ذلك على العملة اليمنية والبنك المركزي ذاته. 

وبهذا الشأن يقول الدكتور محمد باناجة عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن لإرم نيوز : " تغيير قيادة البنك المركزي في الوقت الحالي غير صحيحة وبالتأكيد لن تحقق أي تغيير او معالجة لأزمة العملة المحلية وأسعار الصرف"، متسائلا: "لماذا يتم تغيير قيادة البنك مرة خامسة". 

وأضاف باناجة : "الحل لا يكمن في تغيير شخوص قيادة البنك المركزي، لا طبعا، لأن اسباب الازمة المركبة كثيرة، و حتى لو يأتي عباقرة الاقتصاد الامريكي في ظل بقاء العوامل المؤثره كما هي لن يحدث اي حل". 

بدوره يرى المحلل الاقتصادي اليمني وحيد الفودعي أن : "لن يحدث أي تغيير او فارق في حال تم اعادة تشكيل مجلس ادارة البنك المركزي مع بقاء المعطيات الأخرى والتي أهمها مالية الدولة والوضع السياسي القائم كما هو عليه الآن، لان المشكلة متداخلة وليست في قيادة البنك، وحتى وان الادارة الحالية فيها قصور ، وغيرت اكفأ قيادات ستظل المشكلة قائمة".

وتابع في حديث لإرم نيوز: "سيحدث فارق كبير في حال تم اعادة تشكيل مجلس ادارة البنك المركزي من ذوي الكفاءات والخبرات والمشهود لهم بالنزاهة مع دعم خارجي نقدي وإحداث اصلاحات في مالية الدولة وإحداث تقارب سياسي".

وأوضح الفودعي أن : "مشكلة البنك المركزي تكمن في افتقاره حتى الأن لكادر وظيفي مؤهل وضعف او شلل في قطاع الرقابة على البنوك رغم المحاولات لرفع قدرات البنك، لذلك سترحّل هذه الاختلالات لأي مجلس ادارة جديد، فالبناء المؤسسي للبنك مازال هشاً ويتطلب مزيداً من الجهود، مع الاشارة الى وجود الكفاءات لكن يحتاج الأمر الأخذ بيدهم فقط".


حل مؤقت

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي اليمني ماجد الداعري أن تغيير قيادة البنك المركزي للمرة الخامسة سيكون "حلا مؤقتا وقصيرا لأيام ثم يعود انهيارالعملة مجدداً، لان الحلول الاقتصادية والمعالجات المصرفية المطلوبة تتطلب تكامل عوامل متعددة، كايجاد مجلس إدارة من متخصصين وكوادر مصرفية ذات خبرة ونزاهة، وتوفير احتياطي نقدي ضروري لايقل عن خمسة مليارات دولار للبنك المركزي لتمكينه من تنفيذ اي سياسة او خطة نقدية إنقاذية واعادة السيطرة على القطاع المصرفي المختطف من قبل الصرافين وهواميرها المضاربين والمتلاعبين بالعملة".

وتابع في تصريح خاص لإرم نيوز : "إضافة إلى إعادة تفعيل كافة صادرات اليمن النفطية والغازية وتحويل عوائدها بالعملة الأجنبية إلى البنك المركزي اليمني بعدن وضبط أدوات تحصيل موارد الدولة الضريبية والجمركية وإصلاح مالية الحكومة وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة ودور القضاء لمحاكمة الفاسدين واجتثاث شأفتهم من مختلف المؤسسات، وإزالة العقوبات الدولية المفروضة على التحويلات المالية الدولية لليمن ورفع القيود الخارجية من البنوك العالمية واعادة تعاملاتها مع البنك المركزي اليمني بعدن وبقية البنوك المحلية والزام المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتقديم مساعدات مالية واعادة حصص اليمن من المنح والقروض وإطلاق كل الأرصدة المجمدة بمختلف بنوك العالم وإزالة قيود التعامل المصرفي مع اليمن". 

وأشار الداعري الى التأثيرات السلبية لتواصل تغيير قيادة البنك المركزي وعدم الاستقرار على قيادة واحدة، حيث قال: "للتغييرات أضرار كبيرة فعلا على واقع استقرار العملة و ثقة الخارج والبنوك وصندوق النقد والبنك الدوليين بالبنك المركزي، لكن مشكلتنا أن كل التغييرات تأتي بالاسوأ غالبا وتتسبب بمزيد من الانهيار المتسارع للعملة، مايجعل التغيير أمرا اضطراريا ولو من باب مناوشة وارعاب الصرافين والمتلاعبين بالعملة مؤقتا حتى تتوقف الحرب وتستقر البلد وتعود مواردها ومؤسساتها الحكومية". 


استمرار التغييرات يهز مكانة وثقة البنك

بدوره يرى الباحث الاقتصادي والمهتم بالشؤون المالية والمصرفية أيمن العاقل أن تغيير قيادة البنك المركزي وللمرة الخامسة تواليا: " قد يتسبب بتحسن طفيف في اسعار الصرف على المستوى القريب فقط لا غير، والسبب في ذلك أن سوق أسعار الصرف في اليمن أصبح أشبه بسوق البورصة ولكن بشكل غير منظم وبالتالي يتآثر بالاخبار الإيجابية والسلبية، وخبر تغيير قيادة البنك المركزي خبر ايجابي حاليا وهذا قد يؤثر على أسعار الصرف في اليمن ولكن على المدى القريب فقط، ومع ذلك فان استمرار التغييرات لقيادة البنك يؤثر على مكانة البنك المركزي ويهز ثقته لدى الداخل والخارج ".

وأضاف العاقل في حديث خاص لإرم نيوز أن : "تغيير قيادة البنك المركزي في ظل إنعدام السياسة المالية للحكومة وتعطل مالية الدولة وعدم تحصيل الإيرادات هذا يقف عائق أمام أي قيادة جديدة للبنك المركزي اليمني، وبالتالي سيقف البنك عاجزاً عن تحقيق أي إستقرار لإسعار الصرف على المدى الطويل، و لا ننسى إنقسام السلطة النقدية بين بنك صنعاء وبنك عدن ووجود طبعتين مختلفتين للريال اليمني ويتم التعامل بكل طبعة على حدة مما شكل فارق بينهما ، ولايمكن حل هذه المشكلة إلا بالاتفاق السياسي بين طرفي النزاع".

وأختتم العاقل : " كما لا ننسى أن للأحداث السياسية الجارية في البلد تآثير كبير وكبير جداً على مستوى أسعار الصرف وأن مفتاح الحل لإستقرار أسعار الصرف هو التوافق السياسي بين طرفي النزاع في اليمن عندها يمكن ان تستقر أسعار الصرف على المدى البعيد والقريب". 



عدن حرة موقع اخباري جنوبي في اليمن

ليست هناك تعليقات:

أكتب تعليقك ورأيك في الموضوع

يتم التشغيل بواسطة Blogger.