Friday, March 14 2025
اخر الاخبار
recent

حلاوة الصوري .. من ذكريات عدن زمان





حلوة الصوري الاشهر في عدن

((عدن حرة)) عدن :

الخميس 2014-02-13 20:43:31

يا حجة فطوم تلعب الحلويات دورآ مهمآ في حياة الشعوب وأنواع الحلويات ترمز دائم إلى غنى الشعوب ، وتعتبر الحلويات الشامية من أغنى وأعظم الحلويات في الدنيا وحين أستوطنت دمشق الحبيبة الجميلة ريحانة العرب وجدت حلويات شامية لا تحصى ومتنوعة ، وفي منطقة المرجة في دمشق توجد عشرات المحلات تبيع الحلويات ويقوموا بتغليفها بطريقة فنية وصناديق ملونه فيها رسومات جميلة ، وكنت أحيانآ أتردد في رمي الصندوق إلى القمامة لأنه تحفة رائعة ، والأجمل في الحلويات الشامية إن بعضها لها أسماء جميلة وأعتقد إنها أكثر من 100 صنف ، ويوجد في الشام محل بيع الحلويات و تملكه عائلة لبنانية مشهورة وتاريخية بيت * الصمدي * ، ولهم عشرات الفروع في سوريا ولبنان ،

وفي عام 1968 حين قدمت من كوبنهاجن إلى بيروت في طريقي إلى عملي في دبي زرت في المساء محل الصمدي في بيروت وذهلت من أناقة المكان ونظافته ، عائلة الصمدي لها فروع حول العالم حيث يتواجد أهل الشام ، ودخلت محل الصمدي في دبي عام 2000 في زيارتي الثانية عند عملي هناك. وقيل لي عن بعض هذه الحلويات أصلها تركي حين وجود الأتراك في المنطقة العربية.

ضحكت الحجة فطوم وقالت أصبر يا محمد با أعمر ماي فرست بوري وبا أجيب لك حلاوة من لحج الجميلة صابع وقرمش ومضروب وقهوة قشر حلوة مع الحلاوة وبعدين حازيني عن الحلاوة - حلاوة الصوري في عدن.

يا حجة فطوم قصة الصوري الذي كان يعمل حلاوة الصوري أنتهت بمأساة أليمة في حياة هذا الرجل الذي جاء إلى عدن وأدخل الحلاوة الصورية نسبة إلى ميناء صور في عمان ، سكن هذا الصوري في عدن لأكثر من 40 سنة ، كان محله في شارع الزعفران بجانب مكتب الشيخ عبد الله علوي القربي البيضاني.

منذ طفولتنا ونحن نشتري بعد الغذاء في الظهر حلاوة الصوري والبعض منا يأكلها في محله الصغير وكانت تقدم في صحون نحاسية وعليها نقوش جميلة. كانت المحلات الأخرى للحلويات في عدن تقدم كثير من أنواع الحلويات منها المُشبك والهريسة والحلوى الملونة وحلوى بيضاء بسكر. بعض هذه الحلويات تأتي من لحج وهناك حلوى مميزة داكنة اللون تسمى حلاوة الفيل.

يا حجة فطوم كانت حلاوة الصوري تتميز برائحتها الجميلة ولا أحد يستطيع تقليدها ورأيت أماكن كثيرة من محلاتها في البحرين والكويت والخليج وتسمى أيضآ الحلاوة العمانية. قالت الحجة فطوم ما هي قصة هذا الرجل الصوري الأليمة.

في عام 1964 قامت الجبهة القومية بعمليتها الإجرامية في عدن ونفذت بوحشية إغتيال ضباط بوليس عدن ، وكان أول ضحية لهذا العمل الإجرامي ضابط البوليس العدني النقيب الشهيد فضل خليل. عند مدخل سوق الطويل كان هناك محل لبيع عصير الليمون وقد أعتاد المرحوم فضل خليل الوقوف بجانب سيارته أمام مدخل السوق عند محل صديقه بائع العصير. قبل المغرب والسوق في زحمة شديدة قاموا بإطلاق النار عليه من 2 مدافع رشاشة - رشاش مصري يعرف باسم رشاش بورسعيد ، أطلقوا سيل من الرصاص لا داعي له لقتل إنسان أعزل في شارع مكتظ بالناس، وقد أصيب الشهيد فضل خليل بكثير من تلك الطلقات الوحشية فمات في الحال، وتلك الطلقات قد كادت ستصيب كثير من الأبرياء في السوق الطويل و شارع الزعفران.

يا حجة فطوم ومن غرائب القدر أصابت رصاصة طائشة واحدة فقط ابن الصوري حين كان يسير في وسط شارع الزعفران بين كثير من الناس، أستقرت الرصاصة مباشرة في القلب وسقط قتيلآ ينزف دمه في الشارع فمات في الحال. ابن عدن الضابط الشهيد فضل خليل وهو من الضباط المتعلمين الذين انخرطوا في قوة بوليس عدن.

الشهيد فضل خليل ضابطآ متفوقآ شجاعآ وهو من أبناء حافة حسين ومن عائلة عدنية معروفة. الضحية الأخرى ابن الصوري صاحب محل حلاوة الصوري الذي سكن في عدن لأكثر من 40 سنة – ابنه القتيل كان شابآ عمره حوالي 16 سنة طويل القامة جميل الملامح ، رأيته في مشرحة مستشفى الملكة اليزابث ينام على سرير المشرحة ، كانت هناك مسحة ألم على وجهة الجميل وهو ميت.

رأيت والده في المستشفى وهو يبكي بحرقة كان ابنه الوحيد ، الصوري يعرفني في طفولتي وشبابي ويعرف الكثير من أبناء عدن، لم أستطع أنسى كلماته طوال هذه السنين الطويلة - قال:" ليش هذه الرصاصة قد أخطأت كل الناس في شارع الزعفران وأصابت ابني."

يا حجة فطوم غادر الصوري عدن بعد مقتل ابنه عاد إلى بلاده عمان وأحضر بعض أقربائه للعمل في المحل. وفي عام 2000 عدت إلى الخليج عودتي الثانية فوجدت مكان لبيع الحلوى العمانية في الشارقة في ميدان الروله ، في المحل سألت عن الصوري الذي كان في عدن وعرفتهم بنفسي وقصصت عليهم تلك القصة الدامية ، قالوا لي نعم هو من أهلنا وبعد عودته إلى صور مرض فمات مقهورآ على ابنه القتيل في عدن.

فرح أهل صور أصحاب المحل بي وتحدث معهم طويلآ وحين مغادرتي محلهم أهدوني علبة حلوى عمانية خاصة ، أخذتها إلى سكني في دبي ولم أستطع أن أذوقها – شعرت بالمرارة والألم فأعطيتها لصديق لأني لم أستطع أنسى منظر الشاب العماني وهو مقتول - نائم على سرير مشرحة المستشفى وبقعة دم على كفنه الأبيض.

ومن الغريب جدآ في هذه الحياة إن أحد زعماء هذه العصابة التي تسببت في قتل الشاب العماني البرئ قد أشعل الحرب عام 1994 وهرب إلى عمان وسكن فيها 15 سنة ، كان على سلطات عمان أن تدخله السجن أي سجن في صور بدلآ من أن تمنحه قصرآ يعيش فيه.

قالت الحجة فطوم بحزن شديد مجرم حرب تسبب في قتل ابنهم – وقتل ضابط عدني شجاع .. وأشعل الحرب ضدهم في السبعينيات في ما يعرف جبهة تحرير عمان والخليج - ثم في عام 1994 هرب إلى أرضهم .. لا يستحوا من الله والناس مات فيهم القلب والضمير ..


* محمد أحمد البيضاني كاتب عدني ومؤرخ سياسي القاهرة

ليست هناك تعليقات:

أكتب تعليقك ورأيك في الموضوع

يتم التشغيل بواسطة Blogger.